عيد بيت لحم غير سعيد

بكر عويضة

بينما تعمُّ أنحاء العالم بهجة الاحتفال بيوم مولد عيسى ابن مريم العذراء، عليهما السلام، وفيما تتلألأ معظم أسواق القرى والمدن في المشارق والمغارب بأضواء «الكريسماس»، تتشح بالحزن مدينة بيت لحم التي حباها الخالق، عزّ وجلّ، بشرف أن يُولد فيها المسيح، أما شوارعها فتغرق في صمت يُطبق في الآن نفسه على صدور الناس. أمِنْ عجبٍ في ذلك؟ كلا، فأيام الأعياد تحل للعام الثاني على التوالي، في حين يعربد زعيق أزيز طائرات المحتل الإسرائيلي فوق رؤوس المدنيين العُزل، وهي تحوم في سماء قطاع غزة، تقذف حمم القنابل، فتخطف الأرواح، وتُطفئ بريق الحياة في أعين أطفالٍ، ونساءٍ، ورجالٍ، بينهم شبان، ومنهم عجائز. لكن الصلوات لن تتوقف في كنائس بيت لحم، ولا تراتيل صوامع التعبّد فيها، بل يكثر الابتهال إلى الله، أن يوقف حرب إسرائيل على أهل غزة، بعدما طال أمدها، واتّسع دمارها، أكثر مما تصوّر زعماء أطرافها الذين أشعلوا أوارها.

إلى جانب بيت لحم، تختفي أجواء أي احتفاء يليق بمناسبة «الكريسماس» هذا العام من كل قرى فلسطين ومدنها، وفي مقدمها القدس. صحيح أن قرار الإلغاء التام لاحتفالات الأعياد كان قد اتُّخِذ العام الماضي، إذ لم يكن مضى على هجوم «طوفان الأقصى»، وانطلاق رد إسرائيل الهمجي عليه، سوى بضعة أشهر. إنما يصح أيضاً التذكير بحقيقة أن بهجة الاحتفال بأي عيد، إسلامي أو مسيحي، بدأت تنطفئ منذ بدأ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967. هذا أمر طبيعي، وهو مُتَوَقَّع حيثما وقع احتلالٌ أجنبي، وأينما تعرّض شعب أي أرض لمعاناة تحمُّل ممارسات جنود الاحتلال من قهرٍ، وإذلالٍ، وسجنٍ، واغتصابٍ، إلى غير ذلك من صنوف التوحش التي تمارسها جيوش الاحتلال في كل زمان، وكل مكان.

بالإضافة إلى فقدان الإحساس النفساني ببهجة العيد، في بيت لحم وفي غيرها بالطبع، والاكتفاء بإحياء البعد الروحاني للمناسبة، ولو على صعيد ذاتي، هناك أيضاً المعاناة، كما أثبت الواقع دائماً، في الجانب الاقتصادي. فمن المعروف أن خصوصية مدن معينة، كما بيت لحم، والقدس الشرقية، والناصرة، تشد اهتمام طوائف المسيحيين في مختلف أنحاء العالم. لذا، اعتاد كثيرون منهم أن يخصوا تلك الأماكن بزيارتها والتجول بين بقاعها التاريخية، وفي أسواقها، فينفقوا ما استطاعوا، وفي ذلك إنعاش لأحوال أهلها الاقتصادية يعينهم على مواجهة تكاليف العيش الآخذة في الارتفاع عاماً بعد آخر.

ضمن هذا السياق، أدت الحرب الجارية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) العام الماضي، إلى تراجع كبير في أعداد أولئك الزوار، مما تسبّب في انتكاس الوضع الاقتصادي لمجمل الناس في الضفة الغربية وقطاع غزة. أليس من المنطقي القول إن العالم المحتفل بأعياد «الكريسماس» هذا العام يجب ألا ينسى حقيقة أن العيد في مهد السيد المسيح عيسى، عليه السلام، غير سعيد على الإطلاق، وبالتالي فإن عواصم القرار الدولي مطالبة بألا تضع جانباً مسؤولياتها إزاء ضرورة التوصل إلى وقف فوري للحرب الدائرة في فلسطين؟ بلى، والحق أن انتظار ضحايا هذه الحرب لقرار يجلب السلام لكل الناس طال فعلاً.

نقلا عن الشرق الأوسط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى