سباق الرئاسة بالجزائر.. رهانات الداخل وصورة الخارج
فال ميديا
تكتسب الانتخابات الرئاسية في الجزائر التي بدأت، اليوم السبت، أهمية خاصة، إذ تطرح رهانات كبيرة لكل من المرشحين والبلاد على حد سواء، وتشكل اختبارا جديدا للمسار الديمقراطي، ومدى التزامه بمعايير النزاهة والمصداقية.
ويرى خبراء أن نتائج التصويت التي ستُعلنها السلطة المستقلة للانتخابات، ستسهم في رسم ملامح المشهد السياسي للبلاد خلال السنوات الخمس المقبلة، وتحديد توجهاتها على الساحة الدولية، استنادا إلى خطط وبرامج المرشحين الثلاثة.
وفي 21 آذار الماضي، قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تقديم موعد الانتخابات الرئاسية، التي كانت مزمعة في ديسمبر المقبل، مبررا ذلك بـ”أسباب تقنية بحتة”.
يتنافس في هذه الانتخابات كل من الرئيس المنتهية ولايته عبد المجيد تبون، الذي يترشح بصفته مستقلا ويحظى بدعم أحزاب الأغلبية في البرلمان والعديد من المنظمات، ورئيس حزب حركة مجتمع السلم (ذات توجه إسلامي) عبد العالي حساني شريف، ومرشح جبهة القوى الاشتراكية (ذات توجه يساري) يوسف أوشيش
رهانات خاصة
ما كشفه المرشحون الثلاثة عن دوافع ترشحهم يفتح الباب أمام قراءة ثنائية تدعمها التوقعات المتعلقة بالنتائج النهائية للانتخابات.
في الجانب الأول، يسعى تبون إلى الاستمرار في السلطة لفترة رئاسية ثانية، بهدف استكمال التعهدات التي قطعها خلال ولايته الأولى.
فقد سبق أن صرح بأن البلاد دخلت “مرحلة ثانية من الإصلاحات” ينبغي أن تتوج بإنجازات كبيرة بحلول عام 2027.
ومن بين الأهداف الرئيسية التي يطمح إلى تحقيقها خلال هذه الفترة تحسين الاقتصاد الوطني ليصبح ثاني أقوى اقتصاد في إفريقيا (يحتل المرتبة الثالثة حاليًا)، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي إلى 400 مليار دولار من 271 مليار دولار حاليا.
أما في الجانب الثاني، فيتضح أن دوافع ترشح حساني شريف وأوشيش ترتبط بحسابات سياسية تهدف إلى تعزيز مكانة حزبيهما وإعادة تموضعهما في الخريطة السياسية للبلاد.
الاستمرار في الحكم
يدعم المحلل السياسي وخبير القانون الدستوري رشيد لوراري هذه القراءة، إذ يرى أن الرهان الأكبر لتبون هو الاستمرار في الحكم، وتنفيذ الوعود التي قطعها للجزائريين.
وفي حديثه للأناضول، أكد لوراري أن الرهان بالنسبة إلى المرشحين الآخرين يتركز على ما سيحدث بعد الانتخابات الرئاسية.
وبالنظر إلى غياب مؤسسات متخصصة في إجراء استطلاعات رأي بالجزائر، يتوقع معظم المراقبين أن يفوز تبون بولاية ثانية لمدة 5 سنوات.
وأوضح لوراري أن “النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات ستحدد موقع كل من حركة مجتمع السلم ومرشحها حساني شريف، وجبهة القوى الاشتراكية ومرشحها أوشيش، في المشهد السياسي المقبل، وخاصة فيما يتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة”.
وأشار إلى أن حركة مجتمع السلم تسعى إلى توسيع حضورها في المؤسسات الحكومية، وهي تطمح إلى التفاوض من موقع قوة للحصول على مقاعد في الحكومة المقبلة، أو تعزيز فرصها في الانتخابات المحلية والتشريعية القادمة.
وفيما يتعلق بجبهة القوى الاشتراكية، أوضح لوراري أن الحزب تخلى عن سياسة “الكرسي الشاغر”، التي أفقدته جزءا كبيرا من أنصاره والمتعاطفين معه، حيث يميل المواطن في النهاية إلى اختيار من يتحمل مسؤولية حل مشاكله.
وأضاف أن الحزب يستعد لما بعد الانتخابات الرئاسية بهدف تعزيز مشاركته الانتخابية في المجالس النيابية، واستعادة معاقله التقليدية، وتوسيع قاعدة انتشاره في باقي المحافظات.
رهانات البلاد
إلى جانب الحسابات المتعلقة بالمرشحين، ترتبط الانتخابات الرئاسية برهانات وطنية تشمل الصورة النهائية للعملية الانتخابية وتأثيرها على المستوى الدولي.
وفي هذا السياق، يشير جميع الأطراف المشاركين في العملية الانتخابية إلى أهمية عاملين رئيسيين هما المشاركة القوية للناخبين، ونزاهة الاقتراع، باعتبارهما محددين أساسيين لنجاح الانتخابات.
المحلل السياسي الجزائري عبد الحكيم بوغرارة أكد أهمية هذين العاملين، مشيرا إلى أن مسألة النزاهة تم تجاوزها منذ استحداث سلطة وطنية مستقلة للإشراف على الانتخابات بعيدا عن تدخل الإدارة.
التزوير والتلاعب
وأوضح بوغرارة، في حديثه للأناضول، أنه لاحظ غياب الحديث عن التزوير أو التلاعب بالنتائج من قبل المرشحين أوشيش وحساني شريف خلال حملتيهما الانتخابيتين، وهو ما يعزز الثقة بتجاوز هذا الهاجس، خاصة أن كليهما ينتمي إلى أحزاب معارضة.
في مقاربته، شدد بوغرارة على أهمية نسبة المشاركة في الانتخابات لأنها تمنح الشرعية للرئيس المنتخب، خاصة في المحافل الدولية.
وأشار إلى أن الدستور الجزائري ينص صراحة على أن “الشعب الجزائري هو مصدر كل السلطات”، وكلما كانت نسبة المشاركة مرتفعة ازدادت شرعية قرارات الرئيس والدولة الجزائرية على الساحة الدولية.
كما لفت إلى أن الدعوة لانتخابات مبكرة في سبتمبر عوضا عن ديسمبر، كانت إشارة إلى نهاية الأزمة السياسية التي شهدتها الجزائر في 2019، عقب استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في ظل الحراك الشعبي المطالب بالتغيير الشامل.
وقد دعي 24 مليونا و351 ألفا و551 ناخبا جزائريا للإدلاء بأصواتهم السبت، للاختيار بين ثلاثة مرشحين يمثلون تيارات سياسية مختلفة: الوطني، والإسلامي، والاشتراكي اليساري.