الفصائل السورية تفتح أبواب أكثر الأماكن سرية في العالم
فالميديا
لم يعد سجن صيدنايا العسكري في سوريا “ثقبا أسود” كما كان لسنوات طويلة منذ تأسيسه في ثمانينيات القرن الماضي، إذ كشف تحقيق مطول بالتفاصيل الدقيقة ما يجري خارج أسواره وداخلها، وهيكليته وعلاقاته التنظيمية مع بقية المؤسسات الأمنية التابعة للنظام السوري.
ويقع السجن على تلة صغيرة عند بداية سهل صيدنايا، وهي بلدة جبلية تقع على بعد 30 كيلومترا شمال العاصمة دمشق، ويتكون من بنائين: الرئيس القديم (البناء الأحمر)، والبناء الجديد المعروف باسم البناء الأبيض.
وتقدر مساحته بـ1.4 كيلومتر مربع، أي ما يعادل “ثمانية أضعاف مساحة ملاعب كرة القدم الدولية في سوريا مجتمعة”.
ويختلف عن باقي السجون من حيث التبعية ومن حيث الممارسات والقوانين المطبقة فيه، إذ يتبع لوزارة الدفاع السورية، بينما لا تتمتع وزارة العدل بأي سلطة عليه، فيما “لا يستطيع أحد دخوله أو زيارة أي معتقل، من دون إذن الشرطة العسكرية، بعد الحصول على موافقة مسبقة من شعبة الاستخبارات العسكرية”، وفق تحقيق الرابطة الحقوقية.
وخلصت الرابطة في إحدى جزئيات تحقيقها إلى أنه يتبع لجهتين قضائيتين منفصلتين: الأولى هي “القضاء العسكري”، الذي ينظر في الجنايات أو الجنح التي يرتكبها عسكريون، والثانية هي “محكمة الميدان العسكري”، وفقا ما نقله موقع الحرة الأميركي.
وقد مرت سوريا بأحداث كبيرة منذ تأسيسه في عام 1987، بينما تعاقب على إدارته عشرة مدراء مختلفين، كان لافتا أنهم ينحدرون من قرى تتبع لمحافظة طرطوس وأخرى لمحافظة اللاذقية، في غرب البلاد.
وكان النظام السوري يصنف المعتقلين في “صيدنايا” إلى فئتين: الأولى هم الأمنيون، وهم معتقلون مدنيون أو عسكريون، على خلفية رأيهم أو نشاطهم السياسي أو انتمائهم إلى منظمات “إرهابية”، أو القيام بأعمال “إرهابية”، أو حسب “التهم الجاهزة من جانب النظام”.
أما الفئة الثانية فهي الموقوفون القضائيون، وهم من العسكريين المحتجزين بسبب ارتكابهم جنحا أو جرائم جنائية (قتل، سرقة، فساد، اختلاس أموال، فرار من الخدمة الإلزامية).
وهذا الاختلاف في التقسيم ينتج عنه اختلاف في طريقة المعاملة، إذ يوضح التحقيق أن “الأمنيين يتعرضون لتعذيب ممنهج، وكافة سياسات الحرمان من الطعام والرعاية الصحية، أما القضائيين فيتعرضون لتعذيب غير ممنهج، وفي الغالب يتمتعون بزيارة دورية ومستوى مقبول من الطعام والرعاية الطبية”.
وبالعموم كان النظام السوري ينظر إلى المعتقلين في السجن على أنهم “عملاء وخونة”، ولهذا كانوا يجردون من أي اعتبارات إنسانية، ويستباحون تماما.
بين 2011 و2015 كانت الأوضاع بالسجن في غاية السوء، وتراجعت أعداد السجناء داخله بسبب عمليات التصفية. ويذكر التحقيق أن النظام السوري أعدم فيه خلال 10 سنوات من 30 إلى 35 ألف معتقل، بشكل مباشر أو تحت التعذيب، أو بسبب قلة الرعاية الطبية والتجويع.
ودائما ما تكون عمليات الإعدام المباشر بشكل دوري (يومين في الأسبوع)، فيما توضح الرابطة الحقوقية أن “المعتقلين لا يتم إبلاغهم بقرار الإعدام، بل ينقلون مساء لينفذ بهم الحكم في اليوم نفسه أو في اليوم التالي”.
وتحدث التحقيق عن غرفتي إعدام، الأولى في “البناء الأبيض” والثانية في “البناء الأحمر”، وأن العملية تتم “شنقا”. وفي كلا الغرفتين “عدة منصات لذلك”.
“تراتبية لنقل الجثث”
بعد عمليات الإعدام التي كانت تتم داخل السجن على مدى يومين في الأسبوع، كان النظام السوري يعمل “وفق تراتبية بالتدريج” لنقل الجثث، ومن ثم دفنها في مقابر جماعية، حسب ما يورد التحقيق.
وكانت الجثث تنقل بواسطة إدارة الخدمات الطبية في “مشفى تشرين العسكري”، وتدفن أحيانا في منطقة “نجها” بريف دمشق الجنوبي. وقد تدفن في منطقة “قطنا” عند نقطة تقاطع “الفرقة العاشرة” مع “الحرس الجمهوري”، أو في منطقة “القطيفة” غرب “حقل الرمي” التابع للفرقة الثالثة، المسؤولة عن حماية السجن.
وكان يتم التعامل مع الجثث بطريقتين، إذ يوضح التحقيق أن “الجثث الناتجة عن الإعدام تنقل مباشرة إلى المقابر المذكورة بواسطة سيارات عسكرية يطلق عليها اسم سيارة اللحمة، أو في سيارات بيك أب”.
أما الطريقة الثانية فترتبط بالجثث الناتجة عن سقوط الضحايا تحت التعذيب أو بسبب انعدام الرعاية الطبية وتجمّع في السجن. وهنا ولمدة لا تتجاوز 48 ساعة تدفن في غرفة أنشئت بعد 2011 تسمى بـ”غرف الملح”.
في هذه الغرف كانت توضع الجثث ويكون على جبهة كل واحدة رقم وترش بالملح، ومن ثم تنقل بواسطة سيارة نقل المعتقلين إلى مشفى تشرين العسكري، الذي يقوم بمعاينتها وإصدار شهادة وفاة لها، إلى أن تنقل إلى فرع السجون في “الشرطة العسكرية”.
وبعد عملية إصدار شهادة الوفاة يشير التحقيق إلى أن جثث المعتقلين ترسل للدفن في نجها أو قطنا أو القطيفة، وأن العملية تتم في ساعات الصباح الأولى.
ويشكل المدنيون، الذين تجرأوا على مجرد التفكير بمعارضة النظام السوري، الغالبية الساحقة من الضحايا.
وجرى منذ عام 2011 إعدام آلاف الأشخاص خارج نطاق القضاء في عمليات شنق جماعية تُنفذ تحت جنح الظلام، وتُحاط بغلاف من السرية المطلقة.
وقُتل آخرون كثر من المحتجزين في سجن صيدنايا، جراء تكرار تعرضهم للتعذيب والحرمان الممنهج من الطعام والشراب والدواء والرعاية الطبية.